م[color=black]قدمــــة
ابيضاض الدم الليمفاوي الحاد أو اللوكيميا الليمفاوية الحادة ( Acute Lymphoblastic leukemia ) عند الأطفال، هو مرض ورمي يصيب أنسجة صنع الدم بالنخاع العظمي، حيث تتسرطن الخلايا الأولية التي تتطور لتنتج الخلايا الليمفاوية ( Lymphocytes ) بكريات الدم البيضاء و هي لا زالت قاصرة، و تظهر بأعداد كبيرة في النخاع العظمي و الدم كخلايا سرطانية قادرة على الانتقال، و يُعد هذا النوع من أورام الدم الأكثر شيوعا لدى الأطفال و أكثر أنواع الأورام انتشارا بينهم.
و ابيضاض الـدم مرض معقد بأنواع و تفرعات متعددة، و تختلف العلاجات و حـالات المرضى اختلافا كبيرا تبعا لنوع المرض و العوامل المختلفة لكل شخص، و سنتحدث في هذا المقال عن اللوكيميا الحادة بصفة عامة مع تخصيص الحديث عن النوع الليمفاوي عند الإشارة إلى التصانيف و مراحل المعالجات.
و يلزمنا في البداية، و لفهم تنوعات هذا المرض، الإلمام بالمعلومات الأساسية عن الجهاز الدوري و الليمفاوي بالجسم.
الدم و الجهاز الليمفـاوي
النخـاع العـظمي
النخاع العظمي هو النسيج الإسفنجي اللين، و المسمى بالنخاع الأحمر، و المتواجد داخل جزء العظام المعروف بالعظم الإسفنجي ، و الذي تتمثل وظيفته الأساسية في إنتاج خلايا الدم، و يتكون من شبكة متكاملة من الأوعية الدموية و الأنسجة المحاطة بالدهون و خلايا المنشأ ( Stem cells ) التي تتحول لكريات الدم المختلفة في مراحل نضجها النهائية، إذ تنقسم لتكوّن خلايا منشأ جديدة، أو تنمو و تكبر بعملية تناسقية طبيعية محسوبة لتكوّن خلايا الدم، من كريات الدم الحمراء ( التي تحمل الأكسجين و بعض المواد الحيوية إلى كافة خـلايا الجسم )، و كريات الدم البيضاء ( التي تدافع عن الجسم ضد الأجسام الغريبة و تكافح العـدوى )، و الصفائح الدموية ( التي تتجلط لتمنع نزف الدم عند الجروح أو القطوع )، و يتواجد النخاع العظمي في كل العظام تقريبا عند الأطفال الرُضّع، بينما و قبيل سن البلوغ يتواجد غالبا في العـظام المسطحة، مثل عظم الجمجمة و عظم الأكتاف و الضلوع و عظام الحوض و المؤخرة.
الـدم
يتركب الدم من البلازما و أنواع مختلفة من الخلايا، و تتكون البلازما بدرجة كبيرة من الماء و مركبات كيميائية متعددة، مثل البروتينيات و الهرمونات و المعادن المختلفة و الفيتامينات، بينما تشمل خلايا الدم كريات الدم البيضاء و الحمراء و الصفائح الدموية.
كريات الدم الحمراء
و هي التي تعطى الدم لونه الأحمر و تكوّن تقريبا نصف حجمه و تحتوي علي بروتين الهيموجلوبين الذي يحمل الأكسجين من الرئة إلى مختلف أنسجة الجسم و يحمل ثاني أكسيد الكربون بالمقابل، و نقص الكريات الحمراء أو الهيموجلوبين يؤدي إلى نشوء فقر الدم ( الأنيميا ).
كريات الدم البيضاء
و هي الأداة الأساسية في الجهاز المناعي بالجسم، إذ تدافع عن الجسم و تكافح العدوى، بمهاجمة الأجسام الغريبة، مثل البكتيريا أو الفطريات أو الفيروسات أو الجراثيم المختلفة، أو أية أجسام غريبة تدخل الجسم إضافة إلى الخلايا المتسرطنة، و ثمة عدة أنواع و تصانيف من كريات الدم البيضاء، و الأنواع الرئيسية الثلاث هي :
الخـلايا الليمفـاوية ( lymphocytes )
و تنقسم إلى ثلاثة أنواع :
الخلايا البائية ( B lymphocytes )، الخلايا التائية ( T lymphocytes )، و الخلايا المُبيدة بطبعها ( Natural Killer cells NK )، و هي تتكامل معاً كجزء مهم جدا في الرد المناعي، فالخلايا البائية تساعد في مكافحة البكتيريا و بعض الكائنات الغريبة، و ذلك بإنتاج ضدّيات الجسيمات الغريبة ( antibodies ) أو الأضداد، و التي بدورها تعمل كدليل أو سِمة للكائنات المستهدفة، إذ تلتصق ببروتينات معينة تتواجد على سطوحها تُسمى بمولدات المضادات ( antigens ) فتسِمها و تُعلّمها مما يجذب نحوها الأنواع الملتهمة من خلايا الجهاز المناعي، التي تقوم بابتلاعها، كما تجذب نوعا من بروتينات الدم التي تدمر هذه البكتيريا بإحداث ثقوب في جدار خلاياها.
بينما تساعد الخلايا الليمفاوية التائية في الحماية من الفيروسات، حيث يمكنها تمييز مواد كيماوية معينة، تتواجد على السطح الخارجي للخلايا المصابة بعدوى فيروسية، فتقوم بتدميرها بأن تفرز مواداً خاصة تذيب الغشاء الخارجي لهذه الخلايا، كما أنها تفرز مواداً تنظم ردود فعل الجهاز المناعي تسمى المثيرات الخلوية ( cytokines )، تستنهض أنواعا أخرى من خلايا كريات الدم البيضاء لتهاجم الخلايا المصابة، و يعتقد أن الخلايا التائية تقوم بمهاجمة و تدمير بعض أنواع الخلايا السرطانية بنفس الطريقة، إضافة إلى مهاجمتها لخلايا الأنسجة المزروعة بالجسم، ( لذلك يتلقى المرضى ممن أجريت لهم عمليات زراعة الأعضاء، أدوية خاصة لإحباط رد فعل الخلايا التائية ).
الخـلايا الحُبيبية ( granulocytes )
و هي تنقسم إلى ثلاثة أنواع فرعية، الخلايا القاعدية ( Basophils ) و الخلايا الحَمِضة ( Eosinophils ) و الخلايا المتعادلة و تسمى أيضا بالعَدلات ( النيتروفيل neutrophils )، و يتم التمييز بينها من حجمها و لون الحُبيبـات الظاهرة بداخلها تحت المجهر، و هذه الحبيبات تقوم بدور رئيسي في تفتيت كيميائيات خلايا الكائنات المهاجمة للجسم، و بطبيعة الحال تمر الخلايا الحبيبية بعدّة أطـوار لتنمو و تنضج من خلايا نخاعية أوليّـة إلى خلايا بالغة قادرة على المدافعة، و هي تكـافح خصوصا العـدوى البكتيـرية و الالتهابات و أعراض التحسس، و تبقى بالدورة الدموية لفترة قصيرة نسبيا تتراوح بين عدة ساعات إلى عدة أيام.
الخـلايا الأحـادية ( monocytes )
و هي تحطم الأجسام الغريبة و تتحول إلى خلايا ملتهمة عند الحاجة، و التي بدورها تلتهم الكائنات الغريبة و تساعد الخلايا الليمفاوية في تمييزها و إنتاج ضدّيات الجسيمات الغريبة.
الصفـائح الدمـوية
و هي في الواقع تتكون من جزيئات تشبه الخلايا ناتجة عن تفتت نوع من خـلايا النخاع العظمي تُعرف بالخلايا النقبية الضخمة ( megakaryocyte )، و التي تتحول إلى صفائح و تصنف عادة ضمن خلايا الـدم، و تكمن أهميتها في وظيفتها كجزء من آليات الحماية بالدم، و لدورها الرئيسي في تكوين التجلطات و حماية الأنسجة المختلفة من النزف، برتـقها و إغلاقها لمواضع الجروح أو القطوع بالجسم.
ا[size=18]لجهاز الليمفـاوي
و يتركب الجهاز الليمفاوي من الأوعية الليمفاوية التي تشبه الأوردة الدموية، و تتفرع إلى كل أجزاء الجسم و يمرّ عبرها السـائل الليمفاوي، و هو سـائل عديم اللـون يحمل إفرازات الخـلايا الزائدة و مخلفاتها و خلايا جهاز المناعة، و شبكة الأوعية الليمفاوية تتجمع في غدد عضوية صغيرة تسمى الغدد الليمفـاوية، التي بدورها تتواجد بمجموعات في مناطق مختلفة من الجسم، مثل الإبطين و الرقـبة و التجويف البطني، ( كما يعتبر الطحال و اللوزتين و الغدة الصعترية ضمن غدد الجهاز الليمفاوي المهمة )، و هذه الغدد تخزن الخلايا الليمفاوية ( Lymphocytes ) التي تعتبر الخلايا الرئيسية في النسيج الليمفاوي.